لعبت مصر دورًا رائدًا في سوق الطاقة العالمية لعدة عقود، كمنتج رئيسي للنفط والغاز الطبيعى، فضلاً عن كونها مركزًا حيويًا لنقل منتجات الطاقة. وعلى الرغم من الاضطرابات، الناجمة بشكل أساسي عن الاضطرابات السياسية الوطنية والتحديات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة، تظل مصر قوة طاقة رئيسية في أفريقيا. وكانت قد أعلنت الحكومة مؤخرًا عن طموحاتها لتوسيع أنشطتها الاستكشافية للغاز الوطني، فضلاً عن الاستمرار في تمويل زيادة قدرة الطاقة المتجددة في البلاد في العقود القادمة.
وتعد مصر من كبار منتجي الوقود الأحفوري في أفريقيا، حيث ستبلغ ثاني أكبر إنتاج للوقود السائل لدولة غير عضو في أوبك في عام 2023، بعد أنجولا. كما كانت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا في عام 2022، بعد الجزائر. وقد تم دعم توسع إنتاج مصر من الغاز من خلال إطلاق العمليات في العديد من الحقول البحرية الكبرى على مدى العقد الماضي، بما في ذلك حقل ظهر. ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج مصر من الغاز في العقود القادمة مع نضوج حقل ظهر، فضلاً عن العديد من حالات فشل الاستكشاف الأخيرة.
وتظل الدولة الواقعة في شمال إفريقيا لاعباً رئيسياً في مجال الطاقة الدولية بسبب دورها الرائد في نقل الطاقة. فهي تدير قناة السويس وخط أنابيب السويس المتوسطي (سوميد)، وهما أمران حيويان لربط أسواق الطاقة الدولية، وربط الخليج الفارسي بأوروبا ثم إلى أمريكا الشمالية. كما أنها الدولة الوحيدة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط التي لديها القدرة التشغيلية على تصدير الغاز الطبيعي المسال، فضلاً عن كونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها استيراد الغاز الطبيعي من دول أخرى، مما يساهم في سمعتها كمركز للغاز الطبيعي المسال.
وفيما يتعلق بالتحول الأخضر، أعلنت مصر عن هدف للطاقة المتجددة بنسبة 42 في المائة قبل قمة المناخ COP 27، التي استضافتها في عام 2022. وقد تم زيادة هذا الهدف إلى 58 في المائة بحلول عام 2040، في يونيو 2024. ومع ذلك، أعلن وزير البترول المصري كريم بدوي في أكتوبر/تشرين الأول عن خطط جديدة لخفض هدف الطاقة المتجددة في البلاد لعام 2040 من 58 في المائة إلى 40 في المائة للتركيز بدلاً من ذلك بشكل أوثق على توسيع قطاع الغاز الطبيعي في مصر.
وأضاف بدوي في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الطاقة المتوسطي 2024: “هذه رسالة لنا جميعًا للعمل معًا لزيادة الاكتشافات وجذب المزيد من الاستثمارات من خلال العطاءات المقدمة للاستكشاف، بهدف تحقيق اكتشافات جديدة في المنطقة التي تحتوي على المزيد من الثروة، وخاصة الغاز الطبيعي”.
وكانت قد قطعت العديد من شركات النفط والغاز الطبيعى العالمية علاقاتها في السنوات الأخيرة مع مصر بسبب نقص العملة الصعبة في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، مما أدى إلى ديون مصر بمليارات الدولارات. والآن، يهدف بدوي إلى إعادة بناء هذه العلاقات، بعد أن عقد عدة اجتماعات مع كبار اللاعبين في النفط والغاز منذ توليه منصب وزير البترول في يوليو. وكانت قد أعلنت شركة إيني الإيطالية بالفعل عن خطط لبدء حفر آبار إضافية في حقل ظهر في أوائل عام 2025 لتعزيز الإنتاج.
ومع ذلك، فإن العديد من مشاريع الطاقة المتجددة الطموحة جارية بالفعل في مصر، مما يشير إلى تنويع أكبر لمزيج الطاقة في البلاد على مدى العقود القادمة. وفي سبتمبر، أعلنت AMEA Power عن خطط لتطوير أكبر مشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في مصر حتى الآن. وسيعمل المشروع على توسيع إجمالي طاقة الرياح والطاقة الشمسية لشركة AMEA في مصر إلى 2 جيجاوات، إلى جانب 900 ميجاوات في الساعة من أنظمة تخزين طاقة البطاريات. وتخطط الشركة لاستثمار 800 مليون دولار في مشروعين رئيسيين للطاقة الخضراء في مصر – محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 1 جيجاوات ومشروع تخزين بطاريات بقدرة 600 ميجاوات في الساعة في منطقة بنبان بمحافظة أسوان. وتقع مصر في “حزام الشمس” العالمي، مما يعني أنها تشهد في المتوسط 9 إلى 11 ساعة من ضوء الشمس يوميًا، مع أيام غائمة قليلة. وهذا يضعها في الوضع الأمثل لإنتاج الطاقة الشمسية.
ومن بين المجالات الرئيسية الأخرى التي تركز عليها مصر الهيدروجين الأخضر. ففي مارس/آذار من هذا العام، حددت الحكومة المصرية هدفًا لتحقيق 40 مليار دولار من الاستثمار في قطاعي الهيدروجين الأخضر والتكنولوجيا النظيفة على مدى 10 سنوات ووقعت سبع مذكرات تفاهم مع العديد من اللاعبين الدوليين. ومن المقرر أن تقع المشاريع في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بـأستثمارات تبلغ 12 مليار دولار للمرحلة التجريبية و29 مليار دولار إضافية لدعم العمليات، وفقًا لوزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد.
وتهدف مصر إلى ترسيخ نفسها كمركز للهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، بدعم من موقعها الاستراتيجي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. وتستثمر العديد من البلدان بكثافة في تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر أثناء استكشافها للاستخدام المحتمل للوقود النظيف كبديل للوقود الأحفوري. ومن المرجح أن تسعى العديد من البلدان التي لا تمتلك قدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى استيراد الوقود في العقود القادمة للمساعدة في إزالة الكربون من الصناعات التي يصعب الحد منها بما يتماشى مع التحول الأخضر. ومع إمكاناتها الوفيرة في مجال الطاقة الشمسية، يمكن لمصر أن تصبح منتجًا ومصدرًا رئيسيًا للوقود النظيف.
وفى نفس الوقت من المتوقع أن توسع مصر أنشطتها في استكشاف الغاز الطبيعي في السنوات القادمة، وبحسب وزير البترول المصري، فإن مصر تعتمد على التمويل العام والخاص، مما دفع البلاد الواقعة في شمال أفريقيا إلى خفض أهدافها المتعلقة بالطاقة المتجددة. ومع ذلك، فمن المتوقع أن تعمل مصر، في ظل الإمكانات الكبيرة لتوسيع قدرتها على إنتاج الطاقة الخضراء والعديد من المشاريع الجارية بالفعل، على تنويع مزيج الطاقة لديها بشكل كبير في العقود المقبلة.