تباطـأ نمو الاقتصاد البريطاني بشكل غير متوقع للشهر الثاني على التوالي في يوليو، مما يشير إلى تحديات أعمق للحكومة العمالية المنتخبة حديثًا، والتي التزمت بإحياء آفاق النمو في البلاد. وعلى الرغم من التوقعات المتفائلة بنمو بنسبة 0.2٪، فشل الاقتصاد البريطانى في التوسع، مدفوعًا بانخفاضات في كل من البناء والتصنيع، في حين سجل قطاع الخدمات الرئيسي نموًا هامشيًا فقط.
ويأتي هذا بمثابة ضربة لحكومة رئيس الوزراء البريطانى السير كير ستارمر، خاصة مع استعدادها لأول ميزانية لحزب العمال، والمقرر تقديمها في نهاية أكتوبر.
النمو الضعيف يثقل كاهل التوقعات الاقتصادية
حسب المفكرة الاقتصادية… تُظهر الأرقام التي أصدرها مكتب الإحصاء الوطني يوم الأربعاء أن الاقتصاد البريطانى كافح لاكتساب الزخم، مع توسع بنسبة 0.1٪ فقط في قطاع الخدمات. وانخفض الناتج الصناعي بنسبة 1%، وشهد قطاع البناء انخفاضاً بنسبة 0.4%، مما أدى إلى تفاقم الركود العام. وكانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة للاقتصاديين الذين توقعوا نمواً أكثر قوة بعد بداية قوية نسبياً لهذا العام.
وعلق سانجاي راجا، الخبير الاقتصادي في دويتشه بنك للأبحاث، على النتائج المخيبة للآمال: وعلى الرغم من الدعم المتواضع من اليورو، شهدت بريطانيا ضعفاً واسع النطاق في جميع أنحاء الاقتصاد في يوليو/تموز. ولم يكن الناتج المحلي الإجمالي أضعف من المتوقع فحسب، بل إنه يثير المخاوف بشأن استدامة التعافي الاقتصادي في المملكة المتحدة.
ويأتي هذا الافتقار إلى النمو بعد ركود شهر يونيو/حزيران، مما يؤكد الصعوبة التي تواجهها المستشارة راشيل ريفز أثناء عملها على أول ميزانية لحزب العمال. واعترفت ريفز، التي ستلعب دوراً رئيسياً في توجيه البلاد عبر الرياح الاقتصادية المعاكسة الحالية، بالتحديات. حيث قالت في بيان: “لست تحت أي وهم بشأن حجم التحدي الذي نواجهه”، مضيفة: “سأكون صادقة مع الشعب البريطاني بأن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها”.
ومع ذلك، أصبحت الأسواق المالية حذرة، حيث يتوقع المحللون أن يستجيب بنك إنجلترا بتعديل السياسة النقدية لاستيعاب الاقتصاد المتباطئ.
قرارات أسعار الفائدة في الأفق
ويأتي الأداء الاقتصادي الضعيف قبل اجتماع السياسة النقدية القادم لبنك إنجلترا. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يبقي البنك المركزي أسعار الفائدة ثابتة عند 5٪، بعد خفضها بمقدار 25 نقطة أساس في أغسطس. كما كان التضخم في بريطانيا بأقل من المتوقع، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.2٪ في يوليو، وهو أعلى بقليل من هدف بنك إنجلترا البالغ 2٪.
ويقترح خبراء الاقتصاد أن هذا قد يجعل خفض أسعار الفائدة مرة أخرى أكثر احتمالية، حيث يسعى بنك إنجلترا إلى إيجاد توازن بين السيطرة على التضخم وتحفيز النمو. وعليه فقد علقت روث جريجوري، الخبيرة الاقتصادية في شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، على أهمية بيانات الناتج المحلي الإجمالي لشهر يوليو/تموز بالنسبة لقرارات السياسة النقدية المقبلة: لقد جعلت بيانات اليوم خفض أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل أكثر احتمالية بعض الشيء، رغم أنني ما زلت أتوقع أن يبقي بنك إنجلترا على أسعار الفائدة دون تغيير.
وعلى الرغم من ضعف التضخم، فإن مخاطر تباطؤ أكثر وضوحًا تلوح في الأفق خلال النصف الثاني من عام 2024. وكان بنك إنجلترا قد توقع نموًا بنسبة 0.4٪ للربع الثالث، يليه 0.2٪ في الربع الأخير. ومع ذلك، تشير أحدث البيانات إلى أن انكماشًا أكثر حدة قد يكون في الأفق. كما قام سانجاي راجا بمراجعة توقعاته لنمو الربع الثالث إلى الأسفل، محذرًا من أنه “من رؤية مخاطر صعودية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2024، مقارنة بخط الأساس لدينا البالغ 0.4 في المائة على أساس ربع سنوي، نرى الآن مخاطر هبوطية تتراكم”.
يواجه حزب العمال خيارات صعبة قبل الموازنة
ويمثل الركود في الاقتصاد البريطانى تحديًا صعبًا لحكومة حزب العمال، التي وضعت النمو في طليعة أجندتها السياسية. وكان قد وعد كلا من رئيس الوزراء البريطانى ستارمر والمستشار ريفز بتقديم موازنة تركز على تحفيز النمو، لكنهما حذرا الجمهور أيضًا من ضرورة اتخاذ قرارات صعبة. ومن المتوقع أن تتضمن الموازنة، المقرر تقديمها في 30 أكتوبر، تدابير مالية صارمة، مع التركيز على ضمان قدرة المملكة المتحدة على تحمل حالة عدم اليقين الاقتصادي المقبلة.
ومن المهم أن تقدم الموازنة المقبلة رسالة قوية وإيجابية بشأن النمو. لتعزيز ثقة الشركات في النمو والاستثمار، تحتاج الشركات إلى نظام ضريبي يمكن التنبؤ به وفعال، وسياسات داعمة للنمو. ويتمثل هدف حكومة حزب العمال في عكس سنوات الركود الاقتصادي التي ينسبها الكثيرون إلى سياسات الحكومة المحافظة السابقة. ورغم أن الاقتصاد البريطاني شهد ربعين متتاليين من النمو الإيجابي في وقت سابق من هذا العام، حيث نما بنسبة 0.7% في الربع الأول و0.6% في الربع الثاني، فإن التوقعات طويلة الأجل تظل هشة.
وأقر ريفز بالتحدي الأوسع نطاقا، قائلا:
إن ربعين من النمو الاقتصادي الإيجابي لا يعوضان عن 14 عاما من الركود. ويتفق خبراء الاقتصاد على نطاق واسع على أنه في حين كان التعافي الأولي في وقت سابق من العام واعدا، فإن النمو المستدام قد يكون بعيد المنال.
السياق العالمي والتحديات الأوسع نطاقا
ويأتي ركود النمو في بريطانيا على النقيض من أدائها في النصف الأول من العام، عندما تجاوز تعافيها الاقتصادي تعافي دول مجموعة السبع الأخرى. ومع ذلك، فإن الأداء الضعيف المستمر للقطاعات الرئيسية مثل التصنيع والبناء يسلط الضوء على ضعف اقتصاد المملكة المتحدة، الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات. وكان قد أفاد مكتب الإحصاءات الوطنية أن المكاسب الصغيرة في نمو الخدمات في يوليو كانت مدفوعة في المقام الأول بمبرمجي الكمبيوتر وقطاع الصحة، الذي انتعش بعد فترة من الإضراب في يونيو. ومع ذلك، تم تعويض هذه التحسينات جزئيا بانخفاضات في خدمات الإعلان والهندسة المعمارية والهندسة.
وكان انخفاض التصنيع بنسبة 1٪ ملحوظًا بشكل خاص في صناعات السيارات والآلات، حيث انخفض الإنتاج، في حين أضاف انكماش البناء بنسبة 0.4٪ إلى المخاوف بشأن الهشاشة الاقتصادية الأوسع نطاقا.
ما الذي ينتظر الاقتصاد البريطاني الآن؟
مع تعثر القطاعات الرئيسية والبيئة المالية الصعبة في المستقبل، تظل آفاق الاقتصاد البريطاني غير مؤكدة. ويؤكد ركود النمو في كل من شهري يونيو ويوليو على صعوبة التنقل في التعافي الاقتصادي بعد الوباء. ومع استعداد بنك إنجلترا لقراره التالي بشأن السياسة النقدية واستعداد حزب العمال لميزانيته الأولى، يواجه كل من صناع السياسات والشركات خيارات صعبة في الأشهر المقبلة.
وكما أشار راجا من دويتشه بنك، تتزايد المخاطر السلبية على الاقتصاد البريطاني، وقد يتحقق تباطؤ أكثر حدة مما كان متوقعًا في البداية مع اقترابنا من الربع الأخير من العام. وبالنسبة لحكومة حزب العمال، سيكون التركيز على صياغة ميزانية لا تعالج المخاوف الاقتصادية الفورية فحسب، بل تحدد أيضًا مسارًا واضحًا للنمو على المدى الطويل. ومع ذلك، مع ضغوط التضخم، وتباطؤ النمو، وعدم اليقين الاقتصادي العالمي، قد يكون الطريق إلى الأمام صعبًا.