الجمعة , مايو 3 2024
إبدأ التداول الآن !

مذكرات ستين: انهيار العقد الاجتماعي

  • المناخ السياسي والاقتصادي في حالة من الفوضى
  • الناخبون يطالبون بأي شيء غير الوضع الحالي
  • إجراءات “الطوارئ” أدت إلى الركود
  • على شارع المال التقلص كي ينمو الشارع الرئيسي
  • الحل يكمن في الاستثمار في البنى التحتية ورؤوس الأموال

Donald Trump on the campaign trail

لا يكفي في هذه المرحلة مجرد الإشارة إلى مدى غرابة هذا الأمر كله.

فبالنسبة لمن يريدون أن يفتحوا أعينهم، الأسباب واضحة جلية. الصورة: آي ستوك

كيف لنا أن نفسر تصدر دونالد ترامب ومخاطر
انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحقيقة أن مارين لوبان يمكن أن تصبح
رئيسة فرنسا المقبلة فضلاً عن الوضع العام في عالم سياسي يبدو أن أسياده
باتوا على وشك السقوط عن عروشهم؟

الأمر
بسيط يا واتسون! هو العقد الاجتماعي الذي لم ينكسر فقط، بل يتم إلقاؤه في
القمامة كلياً! بينما احتارت النخبة السياسية وهي تحاول تحليل كيف يمكن
لشخص أعلن إفلاسه أربع مرات وعديم الأخلاق وبذيء اللسان ومغرور بنفسه مثل
ترامب أن يفوز في انتخابات الحزب الجمهوري؟

الفكرة
هي أن الأمر لا علاقة له بسياسات ترامب (أو عدمها)، وله كل العلاقة بكونه
مضاداً للمؤسسات. وفي حين أننا لا ينبغي أن نخشى من تحول الولايات المتحدة
باتجاه سياسات ترامب، إلا أن على النخبة السياسية أن تُدرك بأن الناخبين قد
أداروا ظهورهم “للعقد الاجتماعي” وأحكامه السياسية النخبوية.

والعقد الاجتماعي هو النظرية السياسية وراء كافة مجتمعات اليوم،
وهو عبارة عن ميثاق أو اتفاق فعلي أو افتراضي بين الحاكم والمحكوم يحدد
حقوق وواجبات كل من الطرفين. وترجع هذه الفكرة إلى السفسطائيين اليونان،
إلا أن نظريات العقد الاجتماعي اكتسبت شهرة واسعة في القرنين السابع عشر
والثامن عشر عندما اقترنت بأسماء مثل جان جاك روسو وتوماس هوبز وجون لوك
وجون رولز في عصرنا الحالي.

وبيت
القصيد هنا هو حالة العقد الاجتماعي نفسه – فالمجتمع الذي نعرفه لم يعد
راغباً بالانصياع لحالة “الطوارئ” التي لا نهاية لها ولم يعد مستعداً
لقبولها. فكم من الطوارئ يمكن للمرء أن يتحمل في حياته؟!

فالناخبون
اليوم يريدون أي شيء إلا المؤسسة التقليدية. وهذا هو السبب الذي ستفشل
هيلاري كلينتون من أجله في الفوز في الانتخابات الأمريكية – فهي مثال صارخ
على الفئة المؤسسية النخبوية. أما ترامب، فهو على النقيض من ذلك تماماً وهو
أبعد ما يكون عن صورة السياسي حيث أنه يمثل الفوضى في عالم مليء بالنظام
وهذا هو ما يريده الناخبون الأمريكيون.

من
الناحية الاقتصادية، فهذا منطقي تماماً وقد حان أجله منذ حين. فمعدل تعويض
الموظفين إلى إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة قد وصل إلى أقل
مراحله في التاريخ… الأقل على الإطلاق!

Wages to GDP

Corporate profits

 

فلا عجب إذاً أن “الموظفين” والطبقة الوسطى يطالبون بالتغيير. ولكن هذا التغيير حتمي لأسباب أخرى أيضاً…

تعتمد
أرباح الشركات على احتفاظ “موظفي” العالم بما يكفي من العوائد بعد الضريبة
لشراء سلع “أصحاب الربح”. بمعنى أننا قللنا من الدفع للطبقة الوسطى
والشارع الرئيسي طوال هذه الدورة بينما بالغنا في دعم الفئات المصرفية
والمدرّة للربح.

وما
كانت الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي إلا
محاولة فاشلة “للمساعدة” – فلم تكن سوى حسنة جديدة أُعطيت للبنوك ولن يكون
لها أثر كبير في تحفيز الطلب من المستهلكين والأعمال.

يبدو
الأمر كما لو أن البنك المركزي الأوروبي وصناع السياسة ليس لديهم إدراك
لأبسط مفاهيم الاقتصاد: التضخم يأتي من سرعة الأموال، وسرعة الأموال – في
أبسط أشكالها – مشتقة من الطلب على القروض وليس من العرض على القروض!

إذا
ما قمت بتحفيز المستثمرين والمستهلكين للاستهلاك أو الاستثمار فسوف يرتفع
الطلب على القروض. دعم البنوك لن يكون له أي أثر على التضخم أو التنمية،
ولكنه سيشجع على الأرجح على انهيار العقد الاجتماعي. 

دعم البنوك فكرة غير ناجحة إلى جانب كونها غير منتجة سواء بالنسبة للبنوك أو الهدف من التطبيع.

وفي النهاية، يسرني أن أحظى بالوقت والمساحة كي أعيد طرح نظريتي الخاصة بعنوان “مثلث برمودا للاقتصاد” – والتي لم تفز بجائزة نوبل حتى الآن بالمناسبة!

في
الوقت الحالي، تعمل السياسات المالية على خدمة أو مساعدة نسبة 20% من
الاقتصاد الذي يستطيع بالأساس الحصول على تسهيلات ائتمانية: أي البنوك
والشركات المدرجة في الأسواق المالية. ويأتي هذا على حساب الـ80% – وهي
الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تحصل على أقل من 5% من التسهيلات
الائتمانية وصفر% من رأس المال السياسي.

وفي نفس الوقت، تحصل نسبة العشرين بالمائة – شارع المال – على 95% من التسهيلات الائتمانية و100% من رأس المال السياسي.

فما
هي المشكلة إذاً؟ المشكلة هي أن نسبة العشرين بالمائة التي تحصل على 95%
و100% من هذه المزايا تولد أقل من 10% من مجموع الوظائف والإنتاجية. ولكن
نسبة الثمانين بالمائة التي تحصل على نسبة 5% وصفر% تولّد 90% من مجموع
الوظائف و100% من مجمل الإنتاج الجديد.

لا
عجب أننا نعيش في نموذج اقتصادي لا حراك اجتماعي فيه، نموذج ليست
الإنتاجية هي المحرك الذي يولّد توسع أرباح الشركات فيه بل برامج إعادة
الشراء وشح الاستثمار في رؤوس الأموال (مع العلم أن اقتطاع رؤوس الأموال
“يحسن ربح” الشركات خلال السنوات الثلاث إلى الخمس الأولى).

هناك
خلل في كل من العقد الاجتماعي (يرجى الاطلاع على: الشارع الرئيسي) ونموذج
الأعمال وفي نفس الوقت أيضاً. نظريتي – وأذكركم بأنني خبير اقتصادي تحرري –
هي كالتالي:

عام
2016 هو عام إعادة موازنة الاقتصاد بعيداً عن شارع المال وباتجاه الشارع
الرئيسي. ولكي يزداد النمو الاقتصادي وتتحسن الإنتاجية، نحن بحاجة إلى
تقليص أداء شارع المال وتحسين أداء الشارع الرئيسي مع دفع المزيد له.

بالإضافة
إلى ذلك، تحتاج الشركات بشكل عاجل إلى أن تبدأ في الاستثمار في الإنتاج
وفي السلع الرأسمالية، الأمر الذي تجاهلته الشركات بشكل عام على مدار عقد
من الزمن.

هذا
هو سبب انهيار العقد الاجتماعي والسبب الذي سيجعله يقض مضجع النخبة
السياسية، الذين لا زالوا يعتقدون أن “العقل سيفوز” في نهاية الأمر… ولكن
ليس كما يعتقد مستطلعو آراء الجمهور والإعلاميون وغيرهم. بل العقل يفوز من
الأسفل إلى الأعلى.

الحكومات التي
بإمكانها الاقتراض بمعدل فائدة يبلغ صفر بالمائة عليها توقع استثمارات ضخمة
في البنية التحتية – فكيف يمكن أن تخسر مشاريع البنية التحتية مع مرور
الوقت؟

San Francisco's Golden Gate Bridge

تم تأسيس جسر البوابة الذهبية الشهير في سان فرانسيسكو في أعقاب أزمة،

وليس هناك من هو نادم على ذلك. الصورة: آي ستوك

على الشركات أن تتوقف عن رفع التدفق النقدي
وتستعيض عن ذلك برفع الربحية مع مرور الوقت، وليس فقط بشكل فصلي، بل من
خلال الاستثمار في الأشخاص: إعادة التعليم، منتجات أفضل، إنترنت أسرع
وبيانات أكبر وأكثر.

إن
انهيار العقد الاجتماعي كان أمراً متوقعاً من منظور تاريخي. الخبر الجيد
هو أن نهاية التظاهر لن تكون حرباً جديدة، بل تحولاً جذرياً بعيداً عن عقد
اجتماعي قائم على الخوف وإجراءات الطوارئ.

لا
يمكن لأحدهم أن يعيش حالة الطوارئ طوال الوقت، وعند نهاية العقد
الاجتماعي، ستبدأ أجندة أعمال أكثر تركيزاً. سيكون الأمر مزعجاً وسيزداد
“سوءاً” قبل أن يتحسن، ولكن الحاجة ماسة إلى توسعة النطاق إلى مناخ سياسي
أبعد من “الجميع في الوسط” حيث الأمان أفضل من الطموح والآمال والأحلام
العريضة.

لقد رأيت تغيّرات دراماتيكية في كل دولة زرتها تقريباً على مدى الستة أشهر الماضية ودعوني أخبركم بما يلي:

الشارع
الرئيسي في تحسن وهو يريد ويطالب بأهداف أكثر طموحاً. الهيكل المصغر لأي
اقتصاد يعمل بكد وسوف يستمر بالعمل بكد. وما نحتاجه هو انتهاء دور البنوك
المركزية “كمشاهير” وتوقف الساسة عن بيع “إجراءات الطوارئ”.

العالم
بخير حقاً – هو بحاجة للقليل من الدعم من استثمارات البنى التحتية ورؤوس
الأموال، ولكن بشكل عام، العالم أكثر توازناً وأكثر استعداداً مما سبق في
هذه الأزمة. 

ربما
نكون قد وصلنا إلى القاع من حيث الطموحات السياسية والاستثمار والإنفاق
على رؤوس الأموال والتوظيف والتضخم والنمو، ولكن الجيد هو أننا لا يمكن سوى
أن نصعد إلى الأعلى من هذه النقطة.

التغيير
أمر جيد، ولا بد من رؤية عقد اجتماعي جديد كما هو عليه: نهاية الاقتصادات
المخطط لها والتي اعتمدناها (للمفارقة) منذ انهيار حائط برلين. ولكن ماذا
يعني هذا بالنسبة للأسواق والسياسة؟ 

إن
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بات أمراً مرجحاً، والناخب البريطاني
الاعتيادي لن يصوت بناء على الوقائع ولكن بناء على قدرته على رفع صوته في
وجه النخبة في بريطانيا.

في
الولايات المتحدة، الأمر لا يتعلق بترامب، بل برغبة الجميع بالتخلص من
النخبة السياسية المؤسسة – فالحراك الحالي هو “أي شيء إلا النخبويين”. وأنا
أشك بأن لدى كلينتون أي فرصة في الفوز بالرئاسة لأنها تأتي من عالم قديم
للغاية في مقابل العقد الاجتماعي.

في
كافة الدول، سيبلي أقصى اليسار وأقصى اليمين بلاء حسناً – ليس بسبب
برامجهما، بل لأنهما بعيدان جداً عن الوسط. ويعتبر وجود طيف سياسي واسع
وشامل تحسناً، بالمناسبة، فلربما سنحاول أخيراً التمييز بين الأمور بحسب
عناوينها بدلاً من مواضعها!

إن
السوق لن يعجبه ذلك، وكما قلنا، فإن ثمن هذا التحول هو تراجع أداء شارع
المال، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى انتقال الدخل إلى الشارع الرئيسي، ويرجع من
ناحية أخرى إلى الحاجة لزيادة الإنفاق على رؤوس الأموال، ولكن هذا أمر
جيد. 

البديل هو استمرار فوضى الطوارئ التي عشناها على مدى الثماني سنوات الماضية.

ساكسو بنك

TradersUp.com فريق
طاقم الموقع يعمل على مدار الساعة ليقوم بتوفير أفضل المحتويات مع التركيز على سهولة الاستخدام والتجربة المميزة للمستخدمين. نأمل ان يوفر لكم مجهودنا الطريق لدخول عالم التداول بشكل سهل وان نتمكن بإذن الله بتوفيركم بالقدرة على التعامل مع الأسواق المالية بخطوات واثقة.